أولا ما ورد فى صحيح البخارى عن الإسراء و المعراج :
41ـ باب حَدِيثِ الاِسْرَاءِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {سُبْحَانَ
الَّذِي اَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ اِلَى
الْمَسْجِدِ الاَقْصَى}
3934 ـ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ
عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي اَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ ـ رضى الله عنهما ـ
اَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ " لَمَّا
كَذَّبَنِي قُرَيْشٌ قُمْتُ فِي الْحِجْرِ، فَجَلاَ اللَّهُ لِي بَيْتَ
الْمَقْدِسِ، فَطَفِقْتُ اُخْبِرُهُمْ عَنْ ايَاتِهِ وَاَنَا اَنْظُرُ
اِلَيْهِ ".
42 ـ باب الْمِعْرَاجِ
3935 ـ حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ
يَحْيَى، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ اَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ مَالِكِ
بْنِ صَعْصَعَةَ ـ رضى الله عنهما ـ اَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم حَدَّثَهُمْ عَنْ لَيْلَةَ اُسْرِيَ بِهِ " بَيْنَمَا اَنَا فِي
الْحَطِيمِ ـ وَرُبَّمَا قَالَ فِي الْحِجْرِ ـ مُضْطَجِعًا، اِذْ
اَتَانِي اتٍ فَقَدَّ ـ قَالَ وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ فَشَقَّ ـ مَا بَيْنَ
هَذِهِ اِلَى هَذِهِ ـ فَقُلْتُ لِلْجَارُودِ وَهْوَ اِلَى جَنْبِي مَا
يَعْنِي بِهِ قَالَ مِنْ ثُغْرَةِ نَحْرِهِ اِلَى شِعْرَتِهِ،
وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ مِنْ قَصِّهِ اِلَى شِعْرَتِهِ ـ فَاسْتَخْرَجَ
قَلْبِي، ثُمَّ اُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوءَةٍ اِيمَانًا،
فَغُسِلَ قَلْبِي ثُمَّ حُشِيَ، ثُمَّ اُوتِيتُ بِدَابَّةٍ دُونَ
الْبَغْلِ وَفَوْقَ الْحِمَارِ اَبْيَضَ ". ـ فَقَالَ لَهُ
الْجَارُودُ هُوَ الْبُرَاقُ يَا اَبَا حَمْزَةَ قَالَ اَنَسٌ نَعَمْ،
يَضَعُ خَطْوَهُ عِنْدَ اَقْصَى طَرْفِهِ ـ " فَحُمِلْتُ عَلَيْهِ،
فَانْطَلَقَ بِي جِبْرِيلُ حَتَّى اَتَى السَّمَاءَ الدُّنْيَا
فَاسْتَفْتَحَ، فَقِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ. قِيلَ وَمَنْ
مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ. قِيلَ وَقَدْ اُرْسِلَ اِلَيْهِ قَالَ
نَعَمْ. قِيلَ مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ فَفَتَحَ،
فَلَمَّا خَلَصْتُ، فَاِذَا فِيهَا ادَمُ، فَقَالَ هَذَا اَبُوكَ ادَمُ
فَسَلِّمْ عَلَيْهِ. فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ السَّلاَمَ ثُمَّ
قَالَ مَرْحَبًا بِالاِبْنِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ. ثُمَّ
صَعِدَ حَتَّى اَتَى السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ مَنْ
هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ. قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ. قِيلَ
وَقَدْ اُرْسِلَ اِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ. قِيلَ مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ
الْمَجِيءُ جَاءَ. فَفَتَحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ، اِذَا يَحْيَى
وَعِيسَى، وَهُمَا ابْنَا الْخَالَةِ قَالَ هَذَا يَحْيَى وَعِيسَى
فَسَلِّمْ عَلَيْهِمَا. فَسَلَّمْتُ فَرَدَّا، ثُمَّ قَالاَ مَرْحَبًا
بِالاَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ. ثُمَّ صَعِدَ بِي اِلَى
السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، فَاسْتَفْتَحَ قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ
جِبْرِيلُ. قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ. قِيلَ وَقَدْ
اُرْسِلَ اِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ. قِيلَ مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ
الْمَجِيءُ جَاءَ. فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ اِذَا يُوسُفُ. قَالَ
هَذَا يُوسُفُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ. فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ، ثُمَّ
قَالَ مَرْحَبًا بِالاَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ
صَعِدَ بِي حَتَّى اَتَى السَّمَاءَ الرَّابِعَةَ، فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ
مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ. قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ.
قِيلَ اَوَقَدْ اُرْسِلَ اِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ. قِيلَ مَرْحَبًا بِهِ،
فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ. فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ اِلَى
اِدْرِيسَ قَالَ هَذَا اِدْرِيسُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ. فَسَلَّمْتُ
عَلَيْهِ فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ مَرْحَبًا بِالاَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ
الصَّالِحِ. ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى اَتَى السَّمَاءَ الْخَامِسَةَ،
فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ. قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ
قَالَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم. قِيلَ وَقَدْ اُرْسِلَ اِلَيْهِ
قَالَ نَعَمْ. قِيلَ مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ.
فَلَمَّا خَلَصْتُ فَاِذَا هَارُونُ قَالَ هَذَا هَارُونُ فَسَلِّمْ
عَلَيْهِ. فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ مَرْحَبًا بِالاَخِ
الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ. ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى اَتَى
السَّمَاءَ السَّادِسَةَ، فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ
جِبْرِيلُ. قِيلَ مَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ. قِيلَ وَقَدْ اُرْسِلَ
اِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ. قَالَ مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ
جَاءَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ، فَاِذَا مُوسَى قَالَ هَذَا مُوسَى فَسَلِّمْ
عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ مَرْحَبًا بِالاَخِ
الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ. فَلَمَّا تَجَاوَزْتُ بَكَى، قِيلَ
لَهُ مَا يُبْكِيكَ قَالَ اَبْكِي لاَنَّ غُلاَمًا بُعِثَ بَعْدِي،
يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ اُمَّتِهِ اَكْثَرُ مَنْ يَدْخُلُهَا مِنْ
اُمَّتِي. ثُمَّ صَعِدَ بِي اِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ،
فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ. قِيلَ
وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ. قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ اِلَيْهِ. قَالَ
نَعَمْ. قَالَ مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ فَلَمَّا
خَلَصْتُ، فَاِذَا اِبْرَاهِيمُ قَالَ هَذَا اَبُوكَ فَسَلِّمْ
عَلَيْهِ. قَالَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ السَّلاَمَ قَالَ
مَرْحَبًا بِالاِبْنِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ. ثُمَّ
رُفِعَتْ لِي سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى، فَاِذَا نَبِقُهَا مِثْلُ قِلاَلِ
هَجَرَ، وَاِذَا وَرَقُهَا مِثْلُ اذَانِ الْفِيَلَةِ قَالَ هَذِهِ
سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى، وَاِذَا اَرْبَعَةُ اَنْهَارٍ نَهْرَانِ
بَاطِنَانِ، وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ. فَقُلْتُ مَا هَذَانِ يَا
جِبْرِيلُ قَالَ اَمَّا الْبَاطِنَانِ، فَنَهَرَانِ فِي الْجَنَّةِ،
وَاَمَّا الظَّاهِرَانِ فَالنِّيلُ وَالْفُرَاتُ. ثُمَّ رُفِعَ لِي
الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ، ثُمَّ اُتِيتُ بِاِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ، وَاِنَاءٍ
مِنْ لَبَنٍ وَاِنَاءٍ مِنْ عَسَلٍ، فَاَخَذْتُ اللَّبَنَ، فَقَالَ هِيَ
الْفِطْرَةُ اَنْتَ عَلَيْهَا وَاُمَّتُكَ. ثُمَّ فُرِضَتْ عَلَىَّ
الصَّلَوَاتُ خَمْسِينَ صَلاَةً كُلَّ يَوْمٍ. فَرَجَعْتُ فَمَرَرْتُ
عَلَى مُوسَى، فَقَالَ بِمَا اُمِرْتَ قَالَ اُمِرْتُ بِخَمْسِينَ صَلاَةً
كُلَّ يَوْمٍ. قَالَ اِنَّ اُمَّتَكَ لاَ تَسْتَطِيعُ خَمْسِينَ صَلاَةً
كُلَّ يَوْمٍ، وَاِنِّي وَاللَّهِ قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ،
وَعَالَجْتُ بَنِي اِسْرَائِيلَ اَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ اِلَى
رَبِّكَ فَاسْاَلْهُ التَّخْفِيفَ لاُمَّتِكَ. فَرَجَعْتُ، فَوَضَعَ
عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ اِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ
فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ اِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ،
فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ اِلَى مُوسَى فَقَالَ
مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ فَاُمِرْتُ بِعَشْرِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ،
فَرَجَعْتُ فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ فَاُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ
كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجَعْتُ اِلَى مُوسَى، فَقَالَ بِمَا اُمِرْتَ قُلْتُ
اُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ. قَالَ اِنَّ اُمَّتَكَ لاَ
تَسْتَطِيعُ خَمْسَ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، وَاِنِّي قَدْ جَرَّبْتُ
النَّاسَ قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِي اِسْرَائِيلَ اَشَدَّ
الْمُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ اِلَى رَبِّكَ فَاسْاَلْهُ التَّخْفِيفَ
لاُمَّتِكَ. قَالَ سَاَلْتُ رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ، وَلَكِنْ
اَرْضَى وَاُسَلِّمُ ـ قَالَ ـ فَلَمَّا جَاوَزْتُ نَادَى مُنَادٍ
اَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي ".
3936 ـ حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا
عَمْرٌو، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رضى الله عنهما ـ فِي
قَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي اَرَيْنَاكَ
اِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ} قَالَ هِيَ رُؤْيَا عَيْنٍ، اُرِيَهَا
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ اُسْرِيَ بِهِ اِلَى بَيْتِ
الْمَقْدِسِ. قَالَ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْانِ قَالَ
هِيَ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ
معنى الإسراء: السير ليلا، والمقصود به انتقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم
ـ من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ومعنى المعراج الصعود، والمقصود به
الصعود برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من المسجد الأقصى إلى السموات
العلى .
وقد اختلف العلماء في الإسراء: هل كان بروح النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وجسدِه أو كان برُوحه فقط؟
والصَّحيح أنه كان بالروح والجسد معًا، كما ذهب إليه جمهور العلماء من المحدِّثين والفقهاء
يقول فضيلة الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر-رحمه الله- :
الإسراء مأخوذ من السُّرَى وهو المشْي ليلاً، وإسراء الله تعالى بالنبي
محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ معناه نَقلُه ليلاً من المسجد الحرام بمكة
إلى المسجد الأقصى بالشام، وهو ثابت بالقرآن الكريم في قوله تعالى ( سبحان
الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصا الذي باركْنا
حوْله لنُريَه من آياتنا إنه هو السميع البصير ) ( الإسراء : 1 ) .
كما وردت به الأحاديث الصحيحة، وهى كثيرة مشهورة .
والمعراج مأخوذ من العروج وهو الصُّعود إلى أعلى، وقد ثبت أن النبي ـ صلى
الله عليه وسلم ـ عُرِج به من الأرض إلى السماء، وذلك بالأحاديث الصحيحة،
أو بقوله تعالى ( ولقد رآه ) أي جبريل ( نَزْلةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ
المُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ المَأْوَى إذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا
يَغْشَى مَا زَاغَ البَصَرُ وَمَا طَغَى لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ
الْكُبْرَى ) ( النجم: 13 ـ 18 ) .
ومِن أجل أن الإسراء ثَبَت بالقرآن قال العلماء: إنَّ مُنْكره كافر؛ ولأن
المعراج ثبت بالحديث الذي لم يبْلغ مَبْلغ التَّواتر، ولعدم الدِّلالة
القطْعية عليه في آيات سورة النجم قالوا: إنَّ منْكره غير كافر بل هو فاسق
.
لكنَّهم اختلفوا في الإسراء: هل كان برُوح النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وجسدِه أو كان برُوحه فقط؟
والصَّحيح أنه كان بالروح والجسد معًا، كما ذهب إليه جمهور العلماء من المحدِّثين والفقهاء والمتكلمين وذلك لما يأتي :
1 ـ أن الله تعالى قال ( أسرى بعبده )، ولفْظ العبد لا يُطْلَق في اللغة
على الروح فقط، بل على الإنسان كله: رُوحه وجسده، كما جاء ذلك في مواضعَ
كثيرةٍ من القرآن الكريم مثل قوله تعالى ( أرَأيْتَ الذي يَنْهَى عَبْدًا
إِذَا صَلَّى ) ( العلق : 9، 10 )، وقَوله ( وأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ
اللهِ يَدْعُوه ) ( الجن : 19) .
2 ـ أن الإسراء بالرُّوح فقط ليس أمرًا خارقًا للعادة بل هو أمر عادي
يَحصُل للناس في فترة النوم حيث تكون للرُّوح جوْلات بعيدة في الكُرة
الأرضية تَقْضيها بوسائل غير عادية في مدة لا تُحسب بالزمن العادي لحركة
الجسم، ولو كان كذلك فلا داعي لأنْ يَجْعله الله تكريمًا للنبي ـ صلى الله
عليه وسلم ـ، ويُصدِّر الخبر بقوله ( سبحان ) وما فيه من معنى العظمة
والجلال الذي يُقْرَن دائمًا بكل أمر عظيم .
3 ـ أن الله تعالى قال ( ومَا جعلنا الرُّؤْيا التي أرَيْناكَ إلا
فِتْنَةً لِلنَّاس ) ( الإسراء : 60 ) أي امتحانًا واختبارًا لهم كيف
يُصدِّقونها، وذلك لا يكون إلا إذا تمَّت الرِّحلة بالجسد والرُّوح معًا،
فليس في إسراء الروح فقط فتنةٌ ولا غرابة، ولذلك حين سَمِع المُشركون
خَبَرَها كذَّبوا أن تتمَّ في ليْلة مع أنَّهم يقْطعون هذه المسافة على
ظهور الإبل في عدة أيام .
4 ـ أنَّ الإسراء بالروح والجسد معًا هو فعل الله سبحانه وليس فعل سيدنا
محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ والعقل لا يَحيل ذلك على قدرة الله، فهو على
كل شيء قدير، وليس هناك ما يَمنع قَبُولَ الخَبَر الموثوق به في حصوله
بالرُّوح والجسد معًا .
هذا، ومَن قال: إنَّ هذه الرحلة كانت بالروح فقط استند إلى قوله تعالى (
وما جعلْنا الرؤيا التي أريْناك إلا فتنةً للنَّاس ) ( الإسراء : 60 ) حيث
قال: إن الرُّؤيا مصدر رأى الحُلْمِيَّة لا البصرية، فإن مصدر " رأى "
البصرية هو رؤية. لكنْ أُجِيبَ على ذلك بأن الرؤيا والرؤية مصدران لرأى
البصرية مثل : قُرْبّى وقُرْبة، قال المتنبِّي وهو من كبار الشعراء :
ورؤْياك أحْلى في الجُفون من الغمْض
وإن كان ابن مالك وغيره خطَّأوه في ذلك. لكن ليس كلامهم حُجَّة حتى لو كان
كلام المتنبي غير حجة. وقال ابن عباس في تفسير الآية: إنها رؤية عين، كما
رواه البخاري .
1 ـ كما استدلَّ القائل بأنَّ الإسراء كان بالرُّوح فقط بقول عائشة رضى الله عنها :
ما فُقِدَ جسده الشريف، لكن رُدَّ هذا بما يأتي :
أن هذا الحديث ليس ثابتًا عنها؛ لأن سندَه فيه انقطاع ، وراوٍ مجهول، وقال ابن دحية: إنه موضوع .
2 ـ أنَّها لم تُحدِّث به عن مشاهدة بل عن سماع؛ لأنها لم تكن قد تزوجته إذ ذاك بل لم تكن ولدت على الخلاف في زمن الإسراء متى كان .
3 ـ أنها كانت تقول: إن النَّبيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يَرَ ربَّه
رؤيةَ عَيْن، وذلك لاعتقادهاأنَّ الإسْراء والمعراج كان بالرُّوح والجَسَد
معًا، ولو كان ذلك مَنَامًا أي بالروح فقط لم تُنكرْه وما دامَ الحديث
المنسوب إلى عائشة غير صحيح فلا داعي للتَّحايل في تفْسيره بقول بعضهم: إن
معنى: ما فُقد جسده الشريف، ما تَركت الروح جسده الشريف والمهمُّ أن
الإسراء قد تمَّ. وقد أخبر الله عنه في القرآن الكريم. وهذا هو القدر
الواجب اعتقاده، أما أن يكون على كيفية كذا أو كذا فذلك ما لايتحتَّم
اعتقاده، ولكلٍّ أن يختار ما يشاء، مع اعتقاد أن الله على كل شيء قدير،
أنَّ رُؤْيا الأنبياء حقٌّ باتِّفاق العلماء. ولا داعي للخلاف في هذه
النقطة .
والله أعلم