الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، وبعد، فإن
ليلة النصف من شعبان ليلة مغفرة ورحمة من الله تعالى لعباده، والله -عز
وجل- الذي خلق الزمان وفضل بعضه على بعض شرع من الطاعات ما يتقرب بها
العباد إلى ربهم، ويتعرضون بها إلى نفحات رحمته تعالى بهم.
ولا
يعني أنَّ ليلة النصف من شعبان ليلة مغفرة ورحمة أن تخصص لها من الطاعات
ما لم يأذن به الله ولا رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فالذي يُخَصِّص زمان
دون زمان بطاعات هو الشرع الحنيف.
قال -صلى الله عليه وسلم-: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) [مسلم].
وقال تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌٌ﴾ [النور:63].
وكل ما صح في ليلة النصف من شعبان عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال: (يطَّلع الله تبارك وتعالى إلى خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن).
قال
الألباني: «وقد رُوي عن جماعة من الصحابة من طرق مختلفة يشد بعضها بعضًا،
وهم معاذ بن جبل، وأبو ثعلبة الخشني، وعبد الله بن عمرو، وأبو موسى
الأشعري، وأبو هريرة، وأبو بكر الصديق، وعوف بن مالك، وعائشة» [السلسلة الصحيحة ح:1144]
ولا يفهم من هذا الحديث اتخاذ هذه الليلة موسمًا يحييها الناس، بقيام أو يخصون يومها بصيام والذي يُفهم من الحديث:
أولاً: أنَّ الله تعالى يغفر في ليلة النصف من شعبان لكل من حقق التوحيد.
فما
أحوجنا إلى أن نفتش في داخلنا عمَّا يمكن أن نكون قد ابتلينا به من
شركيات، فإنَّه لا يأمن على نفسه من الوقوع في الشرك إلا من هو جاهل به،
وبما يخلصه منه
ثانيًا: أنَّه سبحانه وتعالى يغفر في
هذه الليلة لكل من سلم صدره لأخيه، فالشحناء والبغضاء والحقد يمنع
المغفرة، وقد وصف الله عز وجل أهل الإيمان بسلامة صدورهم لإخوانهم من
المؤمنين، فقال سبحانه وتعالى عنهم: ﴿وَالَّذِينَ
جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا
وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي
قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌٌ﴾ [الحشر: 10]
هذا كل ما ثبت في هذه الليلة من الفضل، وتلك وظائف هذه الليلة؛ من تحقيق للتوحيد، وسلامة للصور وإصلاح ذات البين.
أمَّا
إحداث البدع من تخصيص هذه الليلة بصيام أو صلاة أو دعاء مخصوص أو اجتماع
فإنَّ أهل تلك البدع يحرمون أنفسهم ببدعهم هذه من التعرض إلى رحمات الله
تعالى ومغفرته.
قال الشيخ ابن باز -رحمه الله-: «فلو كان تخصيص شيء
من الليالي بشيء من العبادة جائزًا لكانت ليلة الجمعة أولى من غيرها؛
لأنَّ يومها هو خير يوم طلعت عليه الشمس بنص الأحاديث الصحيحة عن رسول
اللَّه -صلى الله عليه وسلم- فلمَّا حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- من
تخصيصها بقيام من بين الليالي دلَّ ذلك على أنَّ غيرها من الليالي من باب
أولى لا يجوز تخصيص شيء منها بشيء من العبادة إلا بدليل صحيح يدل على
التخصيص، ولمَّا كانت ليلة القدر وليالي رمضان يشرع قيامُها والاجتهاد
فيها نبه -صلى الله عليه وسلم- على ذلك وحث الأمة على قيامها وفعل ذلك
بنفسه، فلو كانت ليلة النصف من شعبان يشرع تخصيصها باحتفال أو شيء من
العبادة لأرشد النبي -صلى الله عليه وسلم- الأمة إليه أو فعله بنفسه، ولو
وقع شيء من ذلك لنقله الصحابة -رضي الله عنهم- إلى الأمة ولم يكتموه