المكتشفون الأوّلون
قيل أنّه فى بداية القرن الخامس قبل الميلاد، قام سيلياس دو سيون بأوّل عملية غطس تحت البحار تمثُّلت فى حلّ روابط مراسى سفن كزاركس وساهم بذلك فى هزيمة الفرس فى الحروب الوسطى.
كما ذكر أرسطو أنه فى القرن الرّابع قبل الميلاد فكّر الغطّاسون فى طريقة التنفّس تحت الماء. فتمّ ءالقاء دنّ قلّزى وقد أكّد أنّ هذا الدنّ لا يدخله الماء و يحافظ على الهواء ءاذا أنزل بطريقة عموديّة.
أمّا فى روما، فقد تمثّلت أوّل عمليّة الغطس فى مهنة الأوريناطوراس الذين طلب منهم استخراج ما تبقّى من ثروات شحن السفن الغارقة.
كان التقدم فى فكرة الغطس بطيئا رغم عدة جهود قام بها الباحثون حتى القرن السّابع عشر منهم ليوناردو دى فانشى، كاسلار و هالاى الذين بدؤا سلسلة الأبحاث و الاختراعات. وبفضل هذه الجهود تقدّمت البحوث فى ميدان الغطس من ناقوس الغطس ءالى المغطس المستقلّ (غنيان و كوستو). ولم ينفكّ الانسان من اختراق البحار إلى أن وصل إلى النّزول تحت 300 مترا من العمق ثم تراوحت غزواته الى مسافات بين 600 و 1100 عمقا.
البحوث و الاختراعات
كانت أوّل الآلات المستعملة فى الغطس أجراس أو براميل أو بعض التجهيزات غير الكاملة. ولم يتمّ صنع المغطس الأوّل إلاّ حوالى عام 1430. وقد تمثّل المغطس فى ربط أنبوب هوائ إلى رأس الغطّاس. كانت هذه العمليّة انطلاقة للبحوث فى ميدان التنفّس تحت الماء و تجهيز الغطّاس بآلة تسمح له بالتّنفّس دون أن تعرقل تنقّلاته تحت الماء.
وفى أواخر القرن الثّامن عشر تمكّن الباحثون من إيجاد طريقة تسمح للغطّاس بالتنفّس والتنّقل النّسبى فى آن واحد وكان أوّل مغطس عرفه التّاريخ.
مشروع تجهيز الغطّاس، 1715
فكرة دى بوف، من البحريّة الفرنسيّة بقلعة براست فى القرن الثّامن عشر.
يرتدى الغطّاس لباسا كتوميّا يغلق فى الظّهر بواسطة قضيّبات من النّحاس ويربط الى المعاصم بحزاق. أمّا فى رجليه، فيلبس صندلا ذات نعال من رصاص.
يدخل خوذ الغطّاس فى رقبة لباسه الذى يقاوم ضغط المياه. يربط أنبوبين من الجلد الى الخوذ ليحملا بهذه الطّريقة الهواء من سطح الماء. الانسان الحرّ و الانسان غيرالحرّ، 1719
الانسان الحرّ هو الغطّاس المجهّز بمغطس يكون رأسه فى صندوق فيه كوّة و فى حزامه أثقال متكوّنة من مقامع من الرّصاص يديرها بواسطة أربعة مدوّرات تتكوّن عمليّة التّبفّس من أربعة مضخّات من النّحاس : المضخّتين الأماميّتين للتنّفس و الآخرتين للشّهيق. ويوضع بين المضخّات منهلا من الهواء.
الانسان الغير حرّ يستلقى على البطن، الرّأس أمام كوّة، داخل صندوق مربوط إلى مشنقتين ثبّتتا على زورق. ويربط حوله حبل ليمكّنه من معايرة الهواء الذى يصل من ستة أنابيب كل منها يحمل فى آخرته نضّاحة للتنفّس و فى مقدّمته انتفاخ لإبعاد الهواء المستنشق.
اقتبست هذه المشاريع والأفكار من مذكّرات لوسيور مانفيل
المغاطس الأولى
تعدّدت الاكتشافات فى ميدان الغطس تحت البحار منذ نهاية القرن الثّامن عشر ومكّنت العديد منها تلبية رغبة الغطّاسين : من ناحية أولى النّزول أعمق و أعمق إلى أن أدّى ذالك إلى اكتشاف المغاطس الجامدة، ومن ناحية ثانية اكتساب رفاهيّة نسبيّة فى الماء ممّا أدّى إلى تعدّد البحوث حتّى الوصول إلى المغطس المستقلّ.
مغطس كلانجار، 1797
تمثّل الصورة أوّل تجهيز للغطس يمكن تسميته "بمغطس". و يتكوّن هذا التّجهيز من سترة و سروال من الجلد الكتومى وخوذ فيه كوّة و صدريّة معدنيّة والكلّ مشدود إلى برج يحتوى على حوض هواء لا يمكن تجديده
مغطس سياب, 1837
فى سنة 1819 اخترع الألمانى أوغسط سياب المغطس "الثّقيل" الأوّل اللذى يتمثّل فى جرس الغطّاس القديم الذى تحوّل إلى خوذ نحاسى يدخله الهواء بمضخّة تصل حتّى سطح الماء. ثمّ واصل "سياب" بحوثاته لتحسين مغطسه و لإيجاد وسيلة تمكّن الغطّاس من التنقّل ببساطة و رفاهية لأنّه اكتشف أنّ الماء يخترق الخوذ و يبقى داخله اذا كان الغطّاس فى حركة غير عموديّة. و فى عام 1837 أوجد "سياب" لباسا كتوميّا أضافه إلى اللّباس السّابق و أمكن به الغطّاس من الحركة بأكثر حريّة. وبذالك استعمل المغطس "سياب" مدّة قرن تقريبا.
مغطس "كابيرول"
استوحى "جوزيف كابيرول" مغطسه من مغطس سياب وقام بنقديمه فى المعرض العالمى. كان الخوذ جدّ شبيه بالخوذ السّابق لكن كابيرول ألصق إليه أربعة كوّاة و تقنيتين للتنفّس : يصل الهواء بواسطة ماسورة تربط قرب الأذن اليمنى. أمّا الشّهق فيكون عبر صمام يدويّة التّعديل وماسورة وقاية تلصق إلى الفم. لقى هذا التّجهيز نجاحا كبيرا سيما و أنّ كابيرول قام بتجربته عموميّا : أنزل محكوما عليه بالأشغال الشاقة مجهّزا بمغطسه تحت البحر بعمق قدّر ب 40 م.
مغطس الإخوة كارمانيول 1882
المغاطس الجامدة
فى سنة 1873، اصطنع بونوا روكارول و اوغسط دونيروز تجهيزا جديدا متحسّن التّغذية الهوائية، يزن 85 كيلو غرام، ثابت و مجهّز بوصل لاسلكى يربط الغطّاس بسطح الماء. أمّا الخوذ فكان أعرض و متعدّد الكوّاة و النّعال أكثر رصاص لذلك سمّى الغطّاسون فى ذلك العصر "بالأرجل الثّقيلة".
ومن ثمة، تعدّد اصطناع هذا النوع من المغطس. ورغم نجاحهما واصل روكارول و دونيروز بحوثاتهما لتحسين مغطسهما و تمكّنا عام 1864 من إدخال محرّك غازى الذى حلّ محلّ التمديد الغازى ليسمح للغطّاسين رفاهية فى التنقّل. تواصل استعمال هذا المغطس حتّى بداية القرن العشرين.
مغطس نوفالد كونك، 1923
استعمل هذا الجهاز الخارق للعادة منذ بداية القرن العشرين للغوص فى أعماق البجار. تقاوم بطاناته ضغط المياه ءالى 160 م و طريقة التنفس فيه تخضع إلى دوران مغلق. كما يكون مجهزا بهاتف يمكن الغطّاس من الإتصال بسطح الماء و بمقابض فى اليدين تسمح بتناول الأشياء بدقّة.
رغم هذه التحسينات ، سوف تعوّض المغاطس الجامدة بالمغاطس المستقلّة لأنّ ضغط المياه القوى يعرقل حركيّة التجهيز.
المغطس المستقل
فى حين كانت "الأرجل الثّقيلة" مربوطة إلى السّطح لتمكّن الغطاس من التنفس، تعدّدت الدّراسات و البحوث لتخفيف ضغط المياه و إيجاد وسائل تقنيّة لأحواض هوائية مضغوطة. ومهّدت هذه الفكرة طريقا جديدا للبحوث منذ القرن التّاسع عشر تهدف كلّها الى استقلالية الغطّاس تحت الماء.
فى 1828 تمّت براءة اختراع قام به "لومار دو أنجارفيل" تمثّل فى وضع جراب من الجلد على صدر الغطّاس .
ثمّ تواصلت البحوث وامتازت آلة روكارول و دوناروز التى ادخل عليها بعض التحسينات لتصبح فى 1865 أوّل وأحسن مغطس يمكن الغطّاس من العوم مدّة نصف ساعة على عمق 10 أمتار و من التحرّك بكلّ حريّة بفضل غشاوة من المطّاط تستوعب ضغط الماء و تخرج الهواء المضغوط من الحوض.
كانت هذه الحريّة نسبيّة إذ لم يتمكّن الغطّاس من اكتساب حريّة كاملة الاّ فى نصف القرن العشرين بفضل المغطس المستقلّ المجهّز بتمديد غازى اخترعه روكارول و دونيروز..
فى سنة 1926 اخترع القائد" لوبريور" مغطسا شبيها بمغطس" لومار دو أنجارفيل" أضاف إليه زجاجة هوائيّة يعدّل صبيبها يدويّا.
لباس الغطس، 1950
متحف البحريّة
مغطس كوستو - غانيان 1943
التقى القائد" جاك ايف كوستو" بالمهندس "ايميل غانيان" سنة 1943 و حقّقا معا نهاية حلم تواصل منذ قرون : وضع مغطس مستقلّ على ذمّة الغطّاس، مجهّز بتمديد و بزجاجات هوائيّة يمكنه حريّة تامّة فى الحركة. لقت هذه الاختراعة رواجا كبيرا منذ سنة 1946 خاصة بالنسبة إلى علماء الآثار الذين تمكنوا من اختراق أعماق البحار و دراسة المواقع الأثريّة تحتها.
و فى سنة 1952 بدأ القائد كوستو سلسلة الغطس فى الموقع الأثرى غران كونغلوى بمدينة مرسيليا.
عرض لمغطس كوستو - غانيان
متحف البحريّة
المكتشفون اليوم
حصن سان جون بمدينة مرسيليا
مقرّ دائرة الأبحاث الأثريّة تحت البحر
قامت مجموعة من الباحثين والتّقنيين تنتمى الى وزارة الثقافة الفرنسية دائرة الأبحاث الأثريّة تحت البحر بالحفر تحت البحار مدّة نصف قرن. وانضمّت إليها مجموعة من الخبراء من المركز القومى للبحوث العلميّة. مكّنت هذه البحوث من استخراج 700 حطام لسفن تجاريّة منها 600 فى البحر الأبيض المتوسّط وحده.
تشكّل مجموعة المتطوّعين حلقة أساسيّة من سلسلة البحوث الأثريّة على السواحل الفرنسّة تنتمى أغلبيّتها إلى الفدراليّة الفرنسيّة للدّراسات والرّياضة تحت البحار. ويواصل اليوم باحثوا الآثار المتطوّعون إدارة الحفر و الإستطلاع تحت البحر.
مغارة كوسكير
يرجع الفضل الى الغوّاصين فى ميدان استكشاف الثّروات تحت البحريّة، نذكر منهم هونرى كوسكير الذى اكتشف عام 1991 مغارة تمتاز بلوحات فنيّة عظمى. ويقع مدخل المغارة بعمق يقدّر ب37 مترا. كما تمكّن الصيّادون من استخراج عدّة ثروات أثريّة وبعض الحطام فى شباكهم .